المنهج الإسلامي ودوره في رفع الحيز والتمييز عن المرأة

بقلم: محمد الحليمي

يعتبر العنف ضد المرأة ظاهرة قديمة ولا تحدد بمكان معين ولا بثقافة محددة، فالكثير من النساء حول العالم يعانين من التعنيف الذي يُعتبر جريمةً إنسانيةً تنتهك حقوقهن وكرامتهن، وقد باتت المشكلة أكثر خطورة وتعقيداً بناء على ما تشير إليه العديد من الدراسات التي تُظهر ازدياداً مضطرداً بأعداد النساء المُعنّفات، حيث بلغت نسبة النساء الأوروبيّات اللواتي تعرّضن لاعتداءات جسدية أو جنسية 45%، وكانت معظم هذه الاعتداءات على أيدي أشخاص مقربين، وأفضت في بعض الأحيان إلى الوفاة…
وهي ظاهرة فيها من الأحداث الدامية و المؤلمة ما يوجع القلوب المبصرة و الضمائر الحية، ولا يمكن القول أن هاته الظاهرة هي وليدة اللحظة بل إنها متجذرة منذ زمن بعيد، ولعل ما عاشته المرأة في المجتمع الجاهلي من أشكال العبودية وأنواع الاسترقاق للاستمتاع بها تارة وللاتجار بها تارة أخرى أبسط مثال على ذلك. فهي كانت ضحية للمجتمع سواء في السلم أو الحرب، والأفجع من ذلك وأدها وهي حية خوفا من العار…
لكن بعد مجيء الإسلام فقد أعاد لها الاعتبار وجعل الجنة تحت أقدامها وساوى بينها وبين الرجل في المنزلة والعبادة.
فبالرجوع إلى النصوص القرآنية فلقد كانت صارمة ضد النظرة الدونية التي كانت عند المجتمع تجاه المرأة إلى حد الحزن والتشاؤم والشعور بالهوان أمام الناس حينما يخبر أحدهم أنه ولدت له أنثى، ومنهم من يدفعهم غيُّه لوأدها وتغيبها من الوجود، فقبحهم الله لهذا السلوك وسفه نظرتهم وحكمهم أيما تسفيه فقال تعال: ((وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم * يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون) النحل: 58-59
وبين القرآن في مقابل ذلك أن التكريم الإنساني هو لبني آدم كلهم، ذكرانا وإناثا، قال تعالى: ((وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)) سورة الإسراء الآية 70.
ثم جاءت السنة النبوية فركزت على ضرورة إكرام المرأة بإلحاح شديد يتناسب مع الحالة المزرية التي كانت عليها المرأة قبل بعثته عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم. وعلى منهاج القرآن حدد الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم طبيعة علاقة المرأة بالرجل فجاء في الحديث الصحيح الذي أخرجه الإمام أحمد عن أم سليم بنت ملحان أن: (( النساء شقائق الرجال)) أي أنهن الشق الآخر للإنسان، مثيلات للرجل كما هو شق أي كائن لشقه الآخر في أساس الخلقة والطبيعة مهما تنوعت وظائف هذا الشق وذاك. وأي انتهاك لشق من الشقين هو أذى للكائن كله، وأي سلامة لشق من هاذين الشقين هو سلامة للكائن كله.
وحينما خاطب رسول الله الناس في حجة الوداع، التي حدد فيها المبادئ العامة التي يقوم على أساسها المجتمع الصالح ومنها حقوق المرأة، كانت هذه الخطبة في هذه الحجة بمثابة مؤتمر تاريخي حضره مائة ألف شخص صدر فيه أول إعلان عالمي مكتوب ضَمن حقوق المرأة إلى الأبد قرونا قبل كل الإعلانات العالمية الأخرى. ومما جاء في هذه الخطبة بخصوص النساء: (( ألا واستوصوا بالنساء خيراً، فإنما هن عوان عندكم .. ألا إن لكم على نسائكم حقاً، ولنسائكم عليكم حقاً )) أخرجه الترمذي وابن ماجه.
والحكمة في الصيغة التي ذكر بها الحديث قوله (( استوصوا)) أي أن قضية حقوق المرأة يجب أن تكون شغلا دائما يقوم به الناس إلى يوم الدين، يوصي بعضهم بعضا بحقوق المرأة والإحسان لها، وليس يوما أو أياما في السنة كما تدعو إليه الأمم المتحدة.

 

Loading...