أسماء النعيمي
ونحن بصدد الاحتفالات الأممية بالنساء، بمناسبة 8 مارس من كل سنة، نجد الجميع يتحدث عن حقوقها ويستنكر كل أشكال العنف الممارس ضدها ، كما هو متعارف عليه منذ التوقيع على الاتفاقيات الداعمة للمرأة لكن حدة الدفاع عنها ازدادت بعد هذه الأزمات المتتالية التي يعرفها العالم بدءا من كوفيد 19 انتهاءا بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المزرية والتي تفاقمت في السنتين الأخيرة ، وبسبب ما شاهدناه جميعا من انتهاكات أثرت بشكلٍ مباشر على المرأة لم يعد بإمكاننا السير على نفس النهج المسبق لتمكينها من حقوقها إذ أصبح من الضروري أن نخاطب بالدرجة الأولى النسوية وكل شخص وكّل نفسه للدفاع عن حقوق المرأة ،رجاءا يكفينا إصدار ا للشعارات الرنانة التي تُنسى مع الزمن ، ورفع لافتات تنادي بحقوق النساء وبعد أيام نجدها تداس بالأقدام في الشوارع وبعضٌ من فتاتها نرى البقال يلف به حبات اللوز للزبون. رجاءا يكفينا ندوات تقام على شرفها مرة في السنة ولا يتحقق من مخططاتها سوى القليل ، ندوات تُهدر فيها الملايين دون جدوى .
فلم تتبقى لدى النساء الكادحات الرغبة لسماع شيء عن حقوقها لأن اليوم بالذات لم يعد بيننا من لا يعرفها ولم يسمع عنها ، ومن منا للآن مازال لديه شك ولو ضئيل بأن المرأة والرجل غير متساويان في الحقوق والواجبات إلا بشكل نادر ما نجد أن هناك من يضع الفوارق بينهما ويقلل من قيمة النساء ويرفع من قيمة الرجل. اليوم بالذات وفي خضم هذا الوضع الذي ساهم كثيرا في تعرية حقيقة معاناة النساء علينا أن نغير وجهتنا ونبحث عن الأسباب الكامنة وراء هذا ونحارب لإيجاد الحلول الجذرية بدل الحلول الترقيعية التي أكل عليها الدهر وشرب. المرأة المكافحة لم تعد تنتظر منا اليوم أن نخبرها بحقوقها وتنزعج كثيرا كلما ذكّرناها بها وتشعر بالنقص والتجريح والقهر لأنها تدرك تماما حقوقها وتعي جيدا ما الذي بوسعها فعله لتحصل عليها لكنها لا تستطيع، هي فقط تنتظر منا أن نمكنها من أخذ حقوقها المسلوبة ، وألا ننظر إليها بشفقة ونذكرها بضعفها .
المرأة في مجتمعاتنا نراها حينما تخان وتهان وتُضرب ومع ذلك تبقى صامتة وعاجزة أمام ذلك ، نجد الغالبية منا يُؤشر عليها وينعتها على أنها إنسانة ” بلا كرامة” ولا مشاعر كونها ترضخ للإهانة والذل وغيره من ممارسات لا إنسانية في حقها ، لكن على العكس تماما فهؤلاء النسوة نجد بأنهن كتلة من المشاعر ويدركن جيدا أن ما يحدث معهن لا يجب أن يتم الصمت عنه ومع ذلك يرضين بالواقع لأنهن ببساطة لا يمتلكن الخيار الثاني ، من السهل علينا نحن أن نقول دائما هناك حل بديل ، مع أننا في قرارة أنفسنا نعلم أن ذلك غير صحيح ، لأن هناك فعليا يوجد بيننا نماذج لا يستطعن خلق حل بديل ، كون مجتمعاتنا وللأسف لم تعمل على تأهيل هذه الفئة من النساء حتى تصير لديهن سلطة القرار وإيجاد الحل الثاني ،ومؤكد أننا صادفن في يوم ما نساء يحكين بأن الضرب والإهانة وكل الممارسات الشنيعة التي تنتهك حقوقهن لا توجعهن بقدر ما توجعهن فكرة أنه ليس لديهن أي مكان يلتجئن إليه وليس هناك أي شخص باستطاعتهن الاحتماء به وقت الضرورة ، حتى الوالدين أحيانًا يرفضن بشكل قاطع تقديم يد المساعدة لهن ، ناهيك عن النماذج التي حرمت من التعليم ولم تقدم لها فرصة لتصقل مهاراتها وتحصل على شهادة تكوينية تؤهلها لتستقل بذاتها وبأطفالها إن وجدوا .
لذلك نجد منهن من يتجهن نحو مجموعة من المهن التي يرى البعض أنها غير لائقة، ويجعل تلك النماذج ترى بنظرة التحقير الموجهة نحوهن ، زيادة على القوانين التي غالبًا لا نجدها تنصف المرأة على حساب الرجل لعدة أسباب ، لذلك يكفينا التحدث عن الحقوق ونعمل على إيجاد الحلول الفعلية حتى لا تتفاقم لدينا نسبة الفتيات القابعات في مستنقع العنف، وسلاحهن الوحيد الصبر ، وذلك من خلال برمجة خطة عملية لتأهيل الفتيات قبل أن يلجن علاقة زوجية وندفعها لتثق بنفسها وتطور من مهاراتها وتستطيع النجاة في حال أنها لم تجد الشريك المناسب.
نؤهلها لتصبح لديها القدرة على البدء من جديد بمفردها دون أن تكون مضطرة للرضوخ والبحث عمن يساعدها ، نؤهلها ونبني داخلها قناعة أن خياراتها في الحياة كثيرة ولا تتوقف عند رجل فاقد لمعاني الرجولة يسيء لها كلما اشتهى ذلك ، نخبرها أنها ستتخلص من معاناتها إن أدركت أنه أصبح من واجباتها تغيير وجهة بوصلتها ، فإن كانت تضع كل مجهوداتها لتغيير الشريك ستتعب ولن تحصل على نتيجة ايجابية ، فتغيير طباع الشريك ليس من ضمن مسؤولياتها ولا واجباتها كما أخبروها ، هو ليس طفلها كي تعيد تربيته ، نذكرها ونؤهلها ونقول لها أن تعمل أولًا على تغيير ذاتها لتكون قوية ، قوية لأجلها وكفى ،ونذكرها هي والرجل بأنهما ليسا في ساحة حرب من المفروض على واحد منهما أن يكون الفائز ، ولكنهما شريكان بالحياة حينما تقفل كل أبواب السلام بينهما يعملا على فض شراكتهما بمسؤولية حينها فقط سيمكننا التخلص نهائيًا من كل الممارسات الغير سوية التي تنتهك حقوق نسائنا سواء داخل البيوت الموصدة أبوابها أم داخل ورشات العمل في أي قطاع كان وبالشارع العام الذي أصبح المصدر الأساسي لذلك .