الحليمي يكتب.. عنوسة الذكور آلام مكبوتة لا تجد الدواء

* بقلم: محمد الحليمي

تعتبر الأسرة الخلية الأساسية في المجتمع البشري، وبقدر ما تكون الأسرة متماسكة بقدر ما يكون المجتمع مترابطا وقويا، والزواج هو الآلية المثلى والوسيلة الصحيحة لبناء مجتمع قوي ومتماسك، فهو يقوم بعدة أدوار منها: حفظ النوع الإنساني من الانقراض، كذلك بناء الأسرة والحرص على ترابطها كما بيَّنا سالفا.

Multi-level cooperation for resilient development: putting the Water-Energy-Food-Ecosystems Nexus into action

ولكن مع تطور الظروف المعيشية في المجتمع العربي وتعدد المسؤوليات التي تثقل كاهل الشباب العربي، أصبح حلم تأسيس أسرة تحافظ على منظومة القيم المجتمعية للمجتمع يتلاشى ويندثر؛ ويرجع السبب في ذلك إلى ارتفاع نسبة العنوسة، إذ أن هذه الأخيرة تنذر بعواقب وخيمة تصيب المجتمع العربي وتهدد مستقبل الأجيال القادمة.

والعنوسة هو تعبير عام يستخدم لوصف الأشخاص الذين تعدوا سن الزواج المتعارف عليه في كل بلد، وبعض الناس يظنون أن هذا المصطلح يطلق على الإناث فقط من دون الرجال، والصحيح أنه يطلق على الجنسين معا، لكن الموروث الثقافي العربي دائما ما يختزل هذا المفهوم في الأنثى فقط دون التركيز على عزوبية الرجل واعتبارها من الحريات المكفولة للرجل دون المرأة. فعنوسة الرجل بدورها لا تقل أهمية عن عنوسة المرأة من جميع النواحي سواء منها الاجتماعية والنفسية.

و بالرجوع إلى أصل الظاهرة فهذه الأخيرة لها عدة أسباب نجملها كالتالي: قلة الوازع الوازع الديني وتجاهل الشباب لحديث النبي صلى الله عليه وسلم “” يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ””.

بالإضافة إلى ذلك هناك أسباب ساهمت بشكل كبير في تفشي هذه الظاهرة؛ كإرتفاع المهور والمغالاة فيها، فطلب يد الفتاة تحول إلى مساومة، حيث صارت الفتاة تقيم على أساس ما يدفع لها من مهر، هذه الظاهرة اللادينية والبعيدة عن قيم ديننا الحنيف الآمر بتيسير الزواج ألقت بظلالها على واقعنا المزري وساهمت بشكل أو بآخر في تفشي ظاهرة العنوسة.

كذلك نجد البطالة وهي من العوامل الرئيسية المساهمة في انتشار الظاهرة، فانحسار فرص الشغل أمام الشباب وتعطيل طاقات جسدية مهمة يؤدي إلى ارتداد تلك الطاقة والمساهمة في مشاكل مجتمعية خطيرة كارتفاع نسبة العنوسة. كذلك من بين الأسباب المهمة وهي معارضة الآباء لزواج بناتهن طمعا في مرتبهن الشهري، بالإضافة إلى طلب بعض العائلات من الشبان المتقدمين لبناتهن شروطا تعجيزية؛ كإقامة حفل الزفاف في قاعة أفراح فاخرة وأن لا يقل حفل الزفاف ترفا عن حفل زفاف ابنة خالة العروس أو ابنة عمتها.

وبالإضافة إلى الأسباب التي لها علاقة بالجانب الاقتصادي المطروحة أعلاه نجد أسبابا لها علاقة بالجانب الاجتماعي تتمثل في طلب العروس لبيت مستقل والانفصال عن أهل العريس وهو ما يجعل هذا الطلب يدخل في خانة الأمور التي تؤرق مضاجع الشباب بفعل ارتفاع أسعار السكن والمضاربة في هذا القطاع الحيوي، كذلك نجد أيضا ولوج الشباب إلى العالم الافتراضي واتخاذه كفرصة سانحة لتعويض الأشياء المفقودة وملئ الفراغ العاطفي ووسيلة لإقامة العلاقات العاطفية الوهمية.

و بالرجوع إلى الثورة المعلوماتية التي يعيشها العالم فالإعلام ساهم بشكل كبير في تصوير الحياة الزوجية كسجن لايطاق، فالزواج حسب تصوير جل المسلسلات والأفلام هو حد من حرية الرجل وبالتالي لن يستطيع الدخول أو الخروج من المنزل بدون أن يتعرض لإجراءات التحقيق.
ومن أجل تجاوز هذه الظاهرة فلا بد من إغلاق كل منافذ الفساد وتسهيل أمر الزواج وتخفيف المهور وتقديم مواد إعلامية تنزع عن الزواج تلك النظرة السوداوية التي رسمت عليه من قبل.
*طالب باحث

Multi-level cooperation for resilient development: putting the Water-Energy-Food-Ecosystems Nexus into action

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.